الحقـيـقة


اليوم نريد أن نستمع بقلوبنا
ونقرأ بقلوبنا
و نفقه بقلوبنا

لأننا في هذه الأسطر
سنتحدث عن حقيقة
حقيقة تناسيناها
وغابت عن أذهاننا
برغم إيماننا بها

وبغيابها
تغيب أشياء كثيرة
و تفوت فرص أكثر
بل
و تتوالى الخسائر

(مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)


 
أدرك تماما أن لكل حقيقة ( ثقل يسير )
من تحمله برهة ..
استطاع أن يعيها
فأستحق أن يسير
مستنيرا بنورها
( فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّه )

ومن أبى
أن يلزم نفسه
تحمل هذا الثقل اليسير
أمضى حياته في الهروب
ولا مهرب
وقضى عمره في الفرار
و لا مفر

وبقي كمن ضل عن طريق السعادة
إلى طريق مظلم مهجور
يرجو شيئا يتوهمه
و لا يكاد يدركه

فإذا ناله أذى
من (وحوش الطريق)
و (كيد الرفقة)
و (رهبة الظلام)
تساءل
لماذا يحدث هذا ؟
وقد تناسى

أنه هو نفسه
من اختار طريقه
( وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)

هل سئمتم المقدمات؟!

الحقيقة يا أحباب هي:


( أن هذه الحياة التي تعني لك الكثير .. وتخسر لأجلها الكثير .. وتضحي لأجلها بالكثير
ستستمر بعد رحيلك
دون أن تلتفت لكل ما فعلت لأجلها )

اقرأ بقلبك
يقول محمد عفيفي :
(سر على الأرض هونا .. فقد عاشت هذه الأرض من دونك ملايين السنين,
وأغلب الظن أنها سوف تفعل ذلك مرة أخرى )


نعم
الحياة ستمضي من دونك )
يجب أن تستحضر ذلك برغم قسوته

تحدثنا في مقال (جرح الفقد .. من يداويه)
عن أحباب رحلوا

أنظر حولك
هل توقفت الحياة بدونهم؟!!
هل امتنعت الشمس عن الإشراق؟!
أو أمتنع القمر عن الإضاءة؟!

لا شيء
سوى ثلمة في قلبك و شيء من ذكرى

أنت أيضا سيحدث لك ذلك
سيواصل أحبابك الأحياء حياتهم
سيعمل من كان يعمل!
و سيواصل دراسته من كان طالبا!
وسينشغل من لا تظن أنه سيفعل

هذه الحقيقة
(الحياة لن تتخبط من دوننا أو تضطرب)

يقول كريم الشاذلي في (أفكار صغيرة لحياة كبيرة)
(كل ما هنالك أنني لست موجودا .. قد يقف البعض حزنا علي لبرهة من الزمن ,
لكنهم سيمضون إلى أعمالهم ومشاغلهم, وكل ما يربطني بهم ذكرى)


الذين تعلقوا بهذه الأرض .. و أرادوا العلو فيها
وجعلوا ذلك هدفا لا محيد عنه
لم يدركوا تلك الحقيقة

لم يدركوا أن الأرض ستخذلهم .. و أن الحياة تسير بدونهم
لتهدي العلو الموهوم .. إلى مغتر آخر

(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)

لن أتحدث عن هذه الآية في عدة أسطر
الأمر أعمق من ذلك
ابحث عنها بنفسك
 
حسنا إذن
لماذا نعيش هذه الحياة
مادام أننا لا نعني لها شيئا؟!
( الذي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )

الحياة لم تخلق .. لتمتلكها
أو لتضحي بمبادئك من أجل أن تستمتع فيها

بل خلقت لنعبرها..
(عش في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)
أن تجعلها فرصة
لتجتهد في عمل عظيم .. تترك به أثرا عظيم..
أثرا في حياتك .. أو أثرا في حياة غيرك

أعد قراءة الآية
(أَحْسَنُ عَمَلاً ..)

يقول وليم جيمس :
( إن الاستغلال العظيم للحياة هو أن نقضيها في عمل شيء عظيم يبقى معنا بعد الحياة )

وليم جيمس ليس مسلما
لكنه وصل للحقيقة بعد عناء
هي بين أيدينا
و يعرفها الكثيرون
ولكن لا يكفي أن تعرفها
الهدف أن تجعلها قاعدة تبني عليها خططك
فيكون بنيانك ثابت.. وعلوك مستمر
و إن تراجعت زمنا..فإمكان العودة يسير
لأن الأرض ثابتة
و المنطلق صلب
أما تجاهلها و الهروب منها
فهو حكم مسبق على بنيانك بالهدم
(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ
أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ)

 
هل تريدون مثالاً صادقاً لرجل أدركها و بنى حياته عليها؟

حسنا سأروي لكم هذه القصة
إنها بحق ملجمة
شهدتها بنفسي
كان هناك رحلة خارجية
للملتحقات بالمركز الذي أعمل فيه آنذاك
و ألقت الزميلة المباركة د.ريم الباني
كلمة عن استقبال رمضان لذلك العام 1431 هـ
هنا كانت هناك مداخلة من أ. هدى الأحديب
(رئيسة لجنة المتطوعات في المركز )
و قد عرفت كمنسقة للمحاضرات الدينية

تحدثت في سكينة ووقار
عن وفاة والدها
وهو يقرأ القرآن
مات و مصحفه في حجره


ثم رفعت المصحف بهدوء
قالت: (هذا هو المصحف)
الذي مات والدي وهو في حجره

تعلقت عيناي بذلك المصحف
الذي بقي ليشهد لنا على صدق ذلك الرجل

لم ينته الأمر
لقد أخرجت د.ريم
ورقة تقويم كان يضعها والد أ.هدى
في مصحفه
هل تعلمون ماهي الآية
التي كتبها الرجل بخط يده على ورقة التقويم
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)

أراد هذا العبد الصالح
– و لا نزكيه على الله –
أرادأن تكون هذه الحقيقة
حاضرة أمام عينيه

فكتبها في ورقة التقويم
ولم يكن يعلم أن أحدهم سيرفعها أمام الملأ يوما
لتكون تلك الورقة
شاهدة على صدقه مع ربه
نعم
صدق مع الله في حياته
فصدق معه الله في حياته وبعد وفاته

(لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِلاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)

نعم والله
(ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)



هل فهمت الآن سر دعوة سليمان حينا قال:
(رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ
وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)

يقول كريم الشاذلي:
(بعد ذلك أعود لأسأل نفسي:
هل ستستمر الحياة بعد موتي ؟!
و أجيب بطمأنينة بال :
نعم ستستمر بكل تأكيد
لكني لن أجزع لذلك
طالما أحمل معي زادي من التقى و اليقين والعمل الصالح)

لا تجزع
واجه حقيقة الرحيل بشجاعة
اجعل لك زادا .. كن تقيا .. صادقا
واعمل صالحا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت ..أستغفرك و أتوب إليك
ما وافق الحق من قولي فخذوه .. و ما جانبه بلا تردد اجتنبوه
كتبته: هند عامر

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on pinterest
Share on whatsapp
Share on email

7 Responses

  1. نفع الله بك
    كتبتي من الاعماق وعالجتي الجذور والاعماق
    اسال الله ان يجعله عملا صالحا وصدقة جاريه لك بعد مماتك
    احبك في الله
    واساله ان يجمعني بك في مستقر رحمته في الفردوس

  2. كلماتك تسللت إلى دواخلنا ، إيقضت فينا الهمم اللي ماتت ، كم كنت أردد حينما كنت اقراء بـ سبحان الله ؤ أسأل الله إن ينفعنا بما علمنا وان يجزيك خير الجزاء

  3. جزاك الله خيرا اختي هند ،،لا تعلمين الى اي مدى افادتني حقيقتك هذه الليله،،،،لقد سخرك الله لي هذه الساعه!

    أشكرك من اعماق قلبي .

  4. فتح الله عليك ..اسأل الله ان يفقه قولك دائما .. نعم الاعمال بالاخواتيم والمسلم كيس فطن والموت حق فاذا اردنا اختيار موتتنا علينا ان نبقى على طاعة لله ولنكن ايجابيين في الحياة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هند عامر

روائية سعودية، متخصصة في الصحافة والنشر الالكتروني

اشترك معنا

اشترك في القائمة البريدية ليصلك جديد الموقع على بريدك الالكتروني