سلسلة
(2)
الوطن الجريح
هي امرأة من أحبابنا في مصر..
صحبتها في العمل .. أيام (ثورة 25 يناير) ضد حسني مبارك
كانت لا تترك وردها من القرآن ,,
حتى أني تعجبت من شدة تعلقها بمصحفها
جلست معها ذات يوم في بوح ممتد
فأخبرتني أنها نجت من الموت مرتين
الأولى شفيت من السرطان .. والأخرى من خطأ طبي
كنت تروي لي الآلام التي مرت بها بطريقة تسليم عجيبة
قلت في نفسي من عرف حقيقة الحياة.. وارتبط بكتاب الله
سيمتلك تحليلا أدق ورؤية استشرافية للأحداث
فسألتها عن مصر
ورغم استماعي للكثير من التحليلات من الأشقاء المصريين تلك الفترة
إلا أنها حدثتني عن موضوع قناة السويس ومردودها
-ولم يكن مطروقا حينها أبدا-
–
وقبل ذلك تحدثت عن مصر الجريحة
وجرحها الذي استمر لعقود تواتر فيه الاستبداد واستحكم
كانت تتكلم بنبرة حزينة قتلتني
ولسان حالها:
أنا ما حزنت على سنينِ العمر
طال العمر عندي أم قصر
لكن أحزاني على الوطن الجريح
وصرخة الحلم البريء المُنكسر
حدثتني عن البؤس
في بلد يملك ثروات تؤهله لأن يكون في مصاف الدول المتقدمة
عن حصول المصريين على أعلى المؤهلات العلمية وأقل المرتبات المالية
عن اضطرارهم للانتشار في البلدان العربية والأجنبية
ومشاركتهم في بناء تلك الدول ..
بينما بلادهم .. يواصل المفسدين هدمها !!
حدثتني عن سماء مصر التي ما عادت تصلح لتحليق أحلامهم فيها
من أجهض الوطن العريق
وكبل الأحلام في كل العيون
ثم سكتت قليلا وقالت – بحزن أشد -:
مشكلتنا ليست في عدونا..
مشكلتنا الحقيقية في آية في سورة القصص
ثم قرأت بهدوء
(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)
وبدا أنها كانت عاجزة عن تبسيط النور الذي تراه في هذه الآية
ولم ألح عليها للتبسيط أكثر
فرغم جمال منطقها وسعت رؤيتها والآيات التي توردها
إلا أن الحزن الذي سيطر عليها
جعلني أنهي الحوار بدعابة.
عدت بعدها لأرحل مع هذه الآية :
(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)
هل هذه الآية تشرح سبب جراح مصر فقط؟
أم كل الأوطان الجريحة.. التي انشغل حكامها بإرادة العلو والإفساد في الأرض؟
وتحديدا في بلدان الربيع العربي!
–
رحلت مع هذه الآية زمنا
فوجدت سفيان الثوري يقول:
أن العلو في الأرض هو التكبر بغير حق
وأن الفساد هو أخذ المال بغير حق .
–
ثم توقفت عند تعليق ابن جريج :
أن العلو هو التعظم والتجبر
والفساد هو العمل بالمعاصي .
–
وبين التكبر.. والتعظم.. والتجبر.. ونهب الأموال
تاهت مصر
وتاهت أكثر البلاد الإسلامية
إلا ما رحم ربك
تـَعـَثـَّرَ أهلـُه ُبَعضٌ ببَعض ٍ
ذَبيحٌ غاصَ في دَمِه ِ ذ َبيـحُ !
تتألم وأنت ترى بعض المصطلحات الأجنبية
تترجم للعربية
ثم تتصدر صحفنا ويروج لها بكل صفاقة
وتتألم أكثر حينما تجد من يتبناها من أبنائنا في أغرب تناقض!!
فكيف بمن يحرص على قراءة القرآن ليلا..
أن يرفض أن يحكم به نهارا؟
ورغم تلك الحكايات التي يسردها لنا التاريخ
لنهاية كل من بهره العلو الموهوم عن الدار الآخرة
إلا أن الوصول إلى مرحلة
(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ)
جزء من دركات النهاية
تتمنى لو ترفع كلتا يديك لتنبههم لنهاية الطريق
للحفرة التي يسيرون بكامل إرادتهم للسقوط فيها
فلا يلتفت منهم أحد
والأدهى والأمر أن أحدهم حينما يناصح عن الفساد يأتي الرد:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)
لكنها العقوبة والخذلان
(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ)
حسبنا
في كل مايحدث في البلدان التي يعصف بها الاستبداد
أن حب الوطن لا يقاس بأعمال الفاسدين فيه
بل بما يبذله المخلصين من الأخذ على أيدي أولئك المفسدين.
ويبقى الحزن يلفنا ونحن نتأمل جراحات الأوطان
التي أعيت الأمة وأنهكتها
–
يا أيها الوطنُ الجريحُ
متي تفيقُ لنستريح
وكيف تلتئمُ الجروحُ
وكيف تصبحُ قادرًا
أن تحمـِ داركَ والطريقْ
أن تستفيقْ
أن ترفع الهاماتِ بعدَ هوانِها
أن تنجو من هذا الحريقْ
أن ترفع الراياتِ فوق مكانِها
لا في مكان ٍلا يليقْ
أن تستعيدَ مكانة ً
وأمانة ً
كانت وديعة َفي الخزينةِ
في حِمَىَ جار ٍشقيقْ
لم يستطِع من صَونِها
تـُركتْ لِقاطِعةِ الطريقْ
تلهو بها وتـُهينها
حتى تصيرُ أمانة ًمُنهوبة ً
في أيدي مُحتل ٍصفيقْ
……………………………………………
ما وافق الحق من قولي خذوه .. وما جانبه بلا تردد اجتنبوه
كتبته هند عامر
hindamer@hotmail.com
One Response
المقال كان خواطريا أكثر وتطبيبيا أعم للداخل دون الخارج !
فمسألة الوطن الجريح والآية المذكورة من سورة القصص ورأي سفيان الثوري
لا يجعل مكان دون آخر في معزل من تلك المعاني
ولقد جاءت لفظة ، إلا مارحم ربي احترازية من قبل الكاتبة لكبح الظنون الأخرى
مما أوقعها في صدور الظنون ..وهي ليست ظنونا بقدر ماهو مسكوت عنه
وشكرا