سلسلة

الحياة

(2)

 

 الوطن الجريح

 1_885709_1_34

هي امرأة من أحبابنا في مصر..

صحبتها في العمل ..  أيام (ثورة 25 يناير) ضد حسني مبارك

كانت لا تترك وردها من القرآن ,,

حتى أني تعجبت من شدة تعلقها بمصحفها

جلست معها ذات يوم في بوح ممتد

فأخبرتني أنها نجت من الموت مرتين

الأولى شفيت من السرطان .. والأخرى من خطأ طبي

كنت تروي لي الآلام التي مرت بها بطريقة تسليم عجيبة

قلت في نفسي من عرف حقيقة الحياة.. وارتبط بكتاب الله

سيمتلك تحليلا أدق ورؤية استشرافية للأحداث

فسألتها عن مصر

bp11

ورغم استماعي للكثير من التحليلات من الأشقاء المصريين تلك الفترة

إلا أنها حدثتني عن موضوع قناة السويس ومردودها

-ولم يكن مطروقا حينها أبدا-

وقبل ذلك تحدثت عن مصر الجريحة

وجرحها الذي استمر لعقود تواتر فيه الاستبداد واستحكم

كانت تتكلم بنبرة حزينة قتلتني

ولسان حالها:

أنا ما حزنت على سنينِ العمر

طال العمر عندي أم قصر

لكن أحزاني على الوطن الجريح

وصرخة الحلم البريء المُنكسر

 180990_191178430915401_5126287_n

حدثتني عن البؤس

في بلد يملك ثروات تؤهله لأن يكون في مصاف الدول المتقدمة

عن حصول المصريين على أعلى المؤهلات العلمية وأقل المرتبات المالية

عن اضطرارهم للانتشار في البلدان العربية والأجنبية

ومشاركتهم في بناء تلك الدول ..

بينما بلادهم .. يواصل المفسدين هدمها !!

حدثتني عن سماء مصر التي ما عادت تصلح لتحليق أحلامهم فيها

من أجهض الوطن العريق

وكبل الأحلام في كل العيون

183095_191180017581909_2028692_n  

ثم سكتت قليلا وقالت – بحزن أشد -:

مشكلتنا ليست في عدونا..

مشكلتنا الحقيقية في آية في سورة القصص

ثم قرأت بهدوء

(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)

وبدا أنها كانت عاجزة عن تبسيط النور الذي تراه في هذه الآية

ولم ألح عليها للتبسيط أكثر

فرغم جمال منطقها وسعت رؤيتها والآيات التي توردها

إلا أن الحزن الذي سيطر عليها

جعلني أنهي الحوار بدعابة.

مصر الجريحة

عدت بعدها لأرحل مع هذه الآية :

(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)

هل هذه الآية تشرح سبب جراح مصر فقط؟

أم كل الأوطان الجريحة.. التي انشغل حكامها بإرادة العلو والإفساد في الأرض؟

وتحديدا في بلدان الربيع العربي!

رحلت مع هذه الآية زمنا

فوجدت سفيان الثوري يقول:

أن العلو في الأرض هو التكبر بغير حق

وأن الفساد هو أخذ المال بغير حق .


ثم توقفت عند تعليق ابن جريج :

 أن العلو هو التعظم والتجبر

 والفساد هو العمل بالمعاصي .

 –

وبين التكبر.. والتعظم.. والتجبر.. ونهب الأموال

تاهت مصر

وتاهت أكثر البلاد الإسلامية

إلا ما رحم ربك

 

تـَعـَثـَّرَ أهلـُه ُبَعضٌ ببَعض ٍ

ذَبيحٌ غاصَ في دَمِه ِ ذ َبيـحُ !

 tumblr_lg2pxiI2xT1qzvsqto1_500

 تتألم وأنت ترى بعض المصطلحات الأجنبية

تترجم للعربية

ثم تتصدر صحفنا ويروج لها بكل صفاقة

وتتألم أكثر حينما تجد من يتبناها من أبنائنا في أغرب تناقض!!

فكيف بمن يحرص على قراءة القرآن ليلا..

أن يرفض أن يحكم به نهارا؟

حياة (15)

 ورغم تلك الحكايات التي يسردها لنا التاريخ

لنهاية كل من بهره العلو الموهوم عن الدار الآخرة

إلا أن الوصول إلى مرحلة

(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ)

جزء من دركات النهاية

تتمنى لو ترفع كلتا يديك لتنبههم لنهاية الطريق

للحفرة التي يسيرون بكامل إرادتهم للسقوط فيها

فلا يلتفت منهم أحد

والأدهى والأمر أن أحدهم حينما يناصح عن الفساد يأتي  الرد:

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)

لكنها العقوبة والخذلان

(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ)

 

 ةانت

  حسبنا

في كل مايحدث في البلدان التي يعصف بها الاستبداد

أن حب الوطن لا يقاس بأعمال الفاسدين فيه

 بل بما يبذله المخلصين من الأخذ على أيدي أولئك المفسدين.

ويبقى الحزن يلفنا ونحن نتأمل جراحات الأوطان 

التي أعيت الأمة وأنهكتها


يا أيها الوطنُ الجريحُ

متي تفيقُ لنستريح

وكيف تلتئمُ الجروحُ

وكيف تصبحُ قادرًا

أن تحمـِ داركَ والطريقْ

أن تستفيقْ

أن ترفع الهاماتِ بعدَ هوانِها

أن تنجو من هذا الحريقْ

أن ترفع الراياتِ فوق مكانِها

لا في مكان ٍلا يليقْ

أن تستعيدَ مكانة ً

وأمانة ً

كانت وديعة َفي الخزينةِ

في حِمَىَ جار ٍشقيقْ

لم يستطِع من صَونِها

تـُركتْ لِقاطِعةِ الطريقْ

تلهو بها وتـُهينها

حتى تصيرُ أمانة ًمُنهوبة ً

في أيدي مُحتل ٍصفيقْ

……………………………………………

ما وافق الحق من قولي خذوه .. وما جانبه بلا تردد اجتنبوه

كتبته هند عامر

hindamer@hotmail.com

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on pinterest
Share on whatsapp
Share on email

One Response

  1. المقال كان خواطريا أكثر وتطبيبيا أعم للداخل دون الخارج !
    فمسألة الوطن الجريح والآية المذكورة من سورة القصص ورأي سفيان الثوري
    لا يجعل مكان دون آخر في معزل من تلك المعاني
    ولقد جاءت لفظة ، إلا مارحم ربي احترازية من قبل الكاتبة لكبح الظنون الأخرى
    مما أوقعها في صدور الظنون ..وهي ليست ظنونا بقدر ماهو مسكوت عنه

    وشكرا

اترك رداً على لاأدري إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هند عامر

روائية سعودية، متخصصة في الصحافة والنشر الالكتروني

اشترك معنا

اشترك في القائمة البريدية ليصلك جديد الموقع على بريدك الالكتروني